بين بلفور و أوسلو خيانة أمة
وهنا بدأت تظهر معالم السرطان الصهيوني بشكل واضح في فلسطين.
في تلك المرحلة دمج الإنتداب البريطاني وعد بلفور مع صك الإنتداب البريطاني على فلسطين، حيث تلزم المادة السادسة بريطانيا بتسهيل نقل المهاجرين اليهود من أوروبا إلى الأراضي الفلسطينية حيث أصدرت قرارات ساعدت اليهود على سهولة الإستيلاء و الإستيطان مثل قرار نقل الملكية للمنظمات اليهودية و قرار منح ١٧٥ألف دنم تحت سيطرة المنظمات اليهودية بحجة إقامة اللاجئين اليهود عليها مما أدى الى اندلاع ثورة فلسطينية في عام ١٩٢١م لاسقاط كل تلك القرارات التي صدرت من الانتداب البريطاني.
وبعد تثبيت قواعد الإستيطان على الأراضي الفلسطينية بدأ اليهود بالإستيلاء على الموارد الفلسطينية و المؤسسات الخدمية و الأماكن الدينية و الثقافية.
للإسف إن شعبنا الفلسطيني في تلك المرحلة كان ينقسم إلى قسمين، القسم الاول كان يشعل الثورة تلو الثورة أمام الإنتداب و الخطة الصهيونية، و لكن القوة البريطانية كانت حريصة على إخماد الثورة وملاحقة مشعليها، فأما القسم الثاني كان مغيب عن التغيرات السياسية في المنطقة بناءً على حسن النية لبعض اليهود على انهم لاجئيين حرب و يجب مساعدتهم لتخطي معاناتهم، رغم أن السياسيين العرب كانوا يحذرون آنذاك برسائلهم بشكل مستمر لشعبنا الفلسطيني بالخطة الصهوينية، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي فالجميع كان مغيب عن ذلك الأمر، فكانت الدعاية اليهودية أقوى بكثير من أي دعاية في الإتجاه المعاكس، فقد إستخدموا العاطفة الشعبية لإظهار اليهود و هم يلجؤون لفلسطين بسبب الحروب الدامية في اوروبا و إضطهاد الشعوب لهم وليس للسيطرة على فلسطين كما يقول بعض “المخربيين”، وبالفعل نجحت تلك الدعاية الكاذبة.
نعم هذا التصريح كان هو السبب الرئيسي لتقوية ذلك الجسد الصهيوني في المنطقة العربية وليس الفلسطينية فقط فمازال السرطان الصهيوني يتمدد في معظم الدول العربية اقتصاديا و فكرياً و إجتماعياً و سلطوياً، فأنا متأكد وكلي يقين بأن باطن الوعد يختلف عن ظاهره. فالظاهر في نص الوعد هو ” إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي” لكن ما أراه في الباطن هو إقامة قاعدة صهيونية على أراضي فلسطينية تتوسع من خلالها في كل رقعة عربية على الصعيد السياسي و الاقتصادي و حتى الثقافي و التراثي.
لم تعطي الدول العربية أي إهتمام لتلك المبادرة فقد ظن الجميع أنها اوهام يهودية آنذاك، ولكن للأسف تلك الأوهام أصبحت حقيقة، ففي عام ١٩٤٧ صوتت ٣٣ دولة من بين ٥٦ دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية و عربية و إنسحاب القوات البريطانية منها وقد أعطى قرار التقسيم 55% من أرض فلسطين للدولة اليهودية.
وهنا بدأت حكاية النضال العربي و الإسلامي فلم يعد الأمر أوهام كما كان يظن العرب و الفلسطينيين و إن كل تلك الوعودات و القرارات و الخطط لم تخضع و ترمع شعبنا الفلسطيني العظيم و أن يكون مشاهد للحدث فقط، فالثورة الفلسطينية شكلت عائق كبير على تلك الخطط الصهيونية منذ مراحلها الأولى رغم أن الماكينة الصهونية كانت هي الأسبق دائماً بالسيطرة.
إن تلك الوعود و الاتفاقيات و القرارات الدولية وحجمها و تأثيرها بوجهة نظري هي عبارة عن قشة من بين كل الإتفاقيات الصهونية في المنطقة، فالحقيقة أن القشة لم تكن هي التي قصمت ظهر شعبنا بل إن الأحمال الثقيلة هي التي قصمته، فتلك الإتفاقيات العربية الإسرائيلية هي التي ساعدت في زيادة الضغوطات على الشعب و شرعنة الدولة اليهودية على أرضنا، ففي ذلك الحين كان هناك دول عربية تمارس الحب مع الإحتلال من تحت الطاولة و أخرى من فوقها فمنذ اتفاقية “فيصل – وايزمان” في باريس عام ١٩١٧ و التي نصت على إنشاء مجتمع يهودي للتعايش في فلسطين حتى اتفاقية “كامب ديفد” عام ١٩٧٨ التي كانت أحد نصوصها التنازل عن فلسطين بشكل رسمي.
لقد بدأت الأحمال تزداد يوماً بعد يوم على الثورة الفلسطينية، ورغم تلك الظروف إستمر كفاح شعبنا العربي و الإسلامي في كل رقعة على هذا العالم و لم تتوقف العاصفة الثورية التي تحمل البندقية،حتى حصلت الطامة الكبرى عندما أتت العاصفة السياسية التي أغرقت كل ذلك الكفاح بحمل جديد على ظهر قضيتنا و ثورتنا ألا وهي إتفاقية فلسطينية إسرائيلية ” اوسلو” بغيضة فهذه الإتفاقية كانت السيف البتار الذي قصم أضلاع شعبنا و مقاومته في كل مكان و شرعنة ذلك المحتل لتتغير المقولة ضمنياً لتصبح “من الذي يملك لمن يستحق” ضمن نصوص الإتفاقية. نعم إن إتفاقية إوسلو كانت النكبة الكبرى للأمة الاسلامية و العربية و للشعب الفلسطيني بالأخص، عندما تنازلت عن حق شعبنا و حق العودة لللاجئين في الشتات واعترفت بكل تلك المستوطنات التي أقيمت على أرضنا منذ ١٨٧٠ حتى يومنا هذا، فلم يعد ما يمثل الثورة الفلسطينية سوى المحاكم الدولية و قرارات الأمم المتحدة التي شرعنة وجود الدولة الصهيونية بالمقام الأول، فلقد أخمدت تلك الإتفاقية شعلة ثورتنا و تنازلت عن البندقية التي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفسطيني، فأصبح كل من يحملها هو خائن بقانون السلطة الفلسطينية.
انا لا أزال مؤمن بالقوة الشعبية و الثورة الفلسطينية رغم تلك الأحمال الثقيلة عليها، فما زال هناك أحرار لا نرى في أعينهم سوى فوهة البندقية والعودة المقدسة لتلك الارض المسلوبة و التي مازالت تسلب يومياً بسبب كل تلك الاتفاقيات و التصريحات الغير ممثلة إلا لأصحابها.
إن دورنا الحقيقي كشعب فلسطيني اليوم هو إستئصال سرطان أوسلو من ثورتنا لنعيد للبندقية مكانتها و عقيدتها و زرعها في النفوس من جديد، نعم يا أعزائي إن زوال أوسلو هو بداية زوال الاحتلال بأعوانه و حاشيته و اتفاقياته.